البرنامج اليومي للمسلم.. علم وعمل.
الجزء الأول
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
فإن من رحمة الله تعالى بعباده، أن يسر لهم مواسم الطاعات
لتكون لهم كالمحطات، يتزودون فيها بالوقود
ليواصلوا المسير، لا ليتوقفوا بعد المحطة
أو ليعودوا أدراجهم من حيث أتو.
لذا فإنه ينبغي علينا ألا ينتهي الموسم
إلا وقد حققنا ما يعيننا على الاستمرار في الخير، إلى الموسم التالي.
ولكن منا مَن تمر به المواسم، وتتجاوز
دون أن يستفيد منها شيئا.
وهذا حرمان كبير
يكفي فيه ما رواه أحمد والترمذي وابن حبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "...ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له...(الحديث)".
وقد صححه الألباني في صحيح الجامع.
وفي رواية: "إن جبريل عليه السلام عرض لي
فقال: بُعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له. قلت: آمين...(الحديث)".
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الأشياء التي يمكن أن يربي عليها الإنسان نفسه، في هذا الشهر الكريم
أن يضع لنفسه برنامجاً يومياً، يسير عليه
ويحاول أن يعود عليه نفسه
يبدأ من ساعات الصباح الأولى، قبل أن يصلي الفجر
ويستمر إلى أن يخلد إلى النوم.
يبدأ برنامج المسلم اليومي
باستغلال الثلث الأخير من الليل، بالصلاة والدعاء
فهو وقت النزول الإلهي
لما روى مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة، حين يمضي ثلثل الليل الأول
فيقول: أنا الملك، أنا الملك
من ذا الذي يدعوني فأستجيب له!
من ذا الذي يسألني فأعطيه!
من ذا الذي يستغفرني فأغفر له!
فلا يزال كذلك، حتى يضيء الفجر".
وفي رواية:
"ثم يقول: من يقرض غير عديم، ولا ظلوم!".
فمن الغبن أن نعلم أن الله تعالى ينادينا، كل هذا النداء
ثم نحن لا نعبأ به، وننام عنه
أو نلهو في شيء من أمور الدنيا.
فإذا أذن المؤذن لصلاة الفجر، فلا ينشغل العبد بشيء، غير الترديد مع المؤذن
فهو عبادة الوقت كما يقول أهل العلم
وروى مسلم، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول
ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا
ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله
وأرجو أن أكون أنا هو
فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة".
وفيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أن من ردد مع المؤذن حتى قال لا إله إلا الله
فقال: لا إله إلا الله. من قلبه دخل الجنة.
وفيه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال: "من قال حين يسمع المؤذن:
أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله
رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا
غفر له".
أفبعد هذا يفرط المسلم في الترديد مع المؤذن
وينشغل بشيء آخر
حتى وإن كان قراءة القرآن
فكيف إذا كان الانشغال بالقيل والقال
أو الاستماع إلى تلفاز أو مذياع.
ولا ينسى نفسه من الدعاء بين جمل الأذان
وبعد الأذان
فهو من مواطن الإجابة
لما رواه أبو داود والترمذي والنسائي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: قال رسلو الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة".
ثم يؤدي سنة الفجر، وهي سنة قبلية، وهي من آكد السنن
فإن فاتته قضاها بعد الصلاة، والأفضل حين الفوات أن يؤخرها إلى الشروق
سمعته من الشيخ عبد العزيز بن باز في أحد أشرطتة
وجاء في فتاويه (11/373) قوله رحمه الله:
"إذ لم يتيسر للمسلم أداء سنة الفجر قبل الصلاة
فإنه يخير بين أدائها بعد الصلاة، أو تأجيلها إلى ما بعد ارتفاع الشمس
لأن السنة قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بالأمرين جميعاً
ولكن تأجيلها أفضل إلى ما بعد ارتفاع الشمس، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
أما فعلها بعد الصلاة، فقد ثبت بتقريره عليه الصلاة والسلام ما يدل على ذلك" أهـ.
ولا ينبغي أن يعتاد العبد على تأخيرها إلى بعد الصلاة.
ثم إن كان معه في البيت غيره، فإن عليه أن يذكرهم بالصلاة
ويأمرهم بها، ويصبر على ذلك إن كان فيه مشقة، أو ثقل على النفس
كما قال الله تعالى في سورة طه: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)
يقول ابن سعدي رحمه الله تعالى: "أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل".
ثم نبه إلى مسألة ذات صلة، فقال:
"والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمراً بتعليمهم، ما يصلح الصلاة وما يفسدها ويكملها".
وقال رحمه الله تعالى: "(واصطبر عليها) أي: على الصلاة
بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها
فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائماً
فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم
وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع...إلخ".
فإن كان معه في البيت من هم من أهل الجماعة فليحرص على أن لا يخرج من البيت إلا وهم معه
إلا إن يخشي أن تقام الصلاة، فعليه ألا يتأخر عن تكبيرة الإحرام وعن الصف الأول
ومن الصلوات التي يحرص المسلم عليهن، بعد الفريضة
اثنتي عشرة ركعة
يحافظ عليهن إن أراد أن يفوز ببيت في الجنة
لا يتركهن إلا إن كان في سفر أو لعذر قاهر
لأن كثيرا من الناس يصليها
ولكنه لا يحافظ عليها
فهي ليست سنة مهجورة
ولكن المهجور هو المحافظة عليها.
وسيأتي عنها تفصيل أكثر، في الأجزاء التالية من البرنامج اليومي للمسلم – إن شاء الله تعالى.
والله الموفق والمعين، والحمد لله رب العالمين.